العنوسة تدق أجراسها في الأردن
مروة أشرف
بدأ الحديث عن ظاهرة العنوسة يثار في المجتمع الأردني، بعدما كشفت دراسة أردنية حديثة عن وجود 87 ألف فتاة تخطين سن الزواج، إلا أن البعض يرى أن الرقم لا يمثل أية خطورة، وذلك في ضوء العدد الكلي للسكان في المملكة.. وفي كل الأحوال يُعَدّ ذلك الرقم بمثابة جرس إنذار بدأ يضرب بقوة في المجتمع الأردني، محذرًا من زحف المشكلة وتضخمها.
العنوسة التي تُعَدّ شبحًا يتربص بمجتمعاتنا العربية، وصلت الأردن مع تدني مستوى الدخل، وارتفاع تكاليف الحصول على مسكن، وانتشار التعليم العالي بين الشباب من الجنسين، وأصبح حلم الزواج بعيد المنال أمام الجنسين على السواء، بما ينبئ بتفشي المشكلات الاجتماعية في البلاد.
وكانت الدراسة التي نشرتها صحيفة القدس العربي الثلاثاء 5-6-2007 في موقعها على الإنترنت قد أشارت إلى وجود نحو 87 ألف فتاة تجاوزن سن الثلاثين ولم يسبق لهن الزواج.
وأوردت الدراسة التي أجرتها جمعية العفاف الخيرية، التابعة للحركة الإسلامية في الأردن، أن متوسط عمر المتزوجين للمرة الأولى من الذكور ارتفع من 20 عامًا في عام 1961 إلى نحو 29 عامًا في 2006، وللإناث من 17.6 عاما إلى 27 عامًا خلال نفس الفترة.
وأضافت أن تحمل الزوج للديون الناجمة عن تكاليف الزواج أدى إلى تفاقم المشكلات في السنوات الأولى من الحياة الزوجية، بما أثر بدوره على الاستقرار الأسري؛ حيث إنه قاد إلى الطلاق في كثير من الأحيان، خصوصًا خلال السنوات الثلاث الأولى من الزواج.
ووفقًا للقدس العربي، كانت جمعية العفاف قد بدأت منذ العام 1997 وحتى الآن في تنظيم حفلات زفاف جماعية كمحاولة منها لمساعدة الشباب غير القادرين على الزواج.
الإسلاميون سبب
تباينت تعليقات زوار موقع "القدس العربي" على نتائج الدراسة.. حيث يؤكد "محمد محمد" أنه لا يوجد بيت في الأردن إلا وبه عانس والأسباب كثيرة، ومنها الغلاء الفاحش في مواجهة الرواتب المتدنية.. وارتفاع أجرة المساكن، بالإضافة إلى المغالاة في المهور من قبل بعض العائلات.
زائر آخر يتفق مع "محمد" في الاسم، إلا أنه يخالفه الرأي، حيث يقول إن الرقم الذي تشير إليه الدراسة يعتبر منخفضا جدًّا بالنسبة لبقية العالم العربي، مؤكدًا أن الأرقام دائمًا ما تكون نسبية.. لذا فرقم 87 ألفا الذي أشارت إليه الدراسة لا يدل على أي شيء وليس له أي مدلول خطير عند مقارنته بإجمالي عدد السكان.
أما "رنا محمود" فتقول: "إن الهدف الرئيسي وراء هذا اللقب الشائن الذي يلصق بالأنثى العربية -العنوسة- ما هو إلا رغبة مرضية لمن يطلقون على أنفسهم اسم منظمات دينية؛ لمحاولة الترويج لفكرة تعدد الزوجات"، مؤكدة أن السبب الحقيقي وراء تأخر سن الزواج هو أن الفتيات تعطي الأولوية للتعليم رغبة منها في مواجهة السلوك الواضح للرجل الشرقي الذي يلجأ إلى التعدد تحت اسم الدين.
وفي تعليق آخر على الدراسة، يزعم "فرقان" أن الحركات الإسلامية المتطرفة هي المسئولة عن تفشي العنوسة بالأردن، مضيفًا أن هذه "الحركات المتأسلمة" هي التي تجبر الفتيات والنساء بتكميم أنفسهن بأكياس سوداء مخيفة وبشوادر متحركة لا يراها الإنسان ولا يعرف ماذا بداخلها هل هي كائنات حيوانية أم إنسانية؟!.
بينما ترى من أسمت نفسها Pal - Reason أن مشكلة العنوسة لم تكن موجودة في مجتمعاتنا منذ 50 عامًا بالرغم من أن الناس كانوا أكثر تحفظًا وتشددًا عند الزواج في ذلك الوقت، وأن السبب الرئيسي في تأخر سن الزواج هو محاكاتنا للغرب، والتقليد الأعمى لهم في كل شيء، خاصة فيما يرتبط باستيراد القيم السيئة منهم.
ومن جهته، يشير "محمود زيد" بأصابع الاتهام إلى عمل المرأة، قائلاً: "لو أن النساء غير المحتاجات للعمل يجلسن في بيوتهن ويفسحن المجال للشباب لحلت هذه المشكلة من جذورها"، ويذكر "زيد" بقوله تعالى: "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ".
وفي ختام تعليقه يتساءل: لماذا تعمل المرأة بين الرجال وتزاحمهم في أرزاقهم، ومن ثَم لا تجد من يستطيع تحقيق الباءة ليتزوجها؟.
ليس هناك أزمة
في ذات السياق تقول د. حنان طقش، المستشارة النفسية في مكتب الأسرة السعيدة للاستشارات النفسية بالأردن تعليقًا على الدراسة: يبدو أن تعداد العوانس كبير في صورته المجردة حين نقول 87 ألف فتاة؛ فهو عدد لا يستهان به، لكن حين ننظر له من خلال تعداد السكان العام في الأردن والذي تشير إحصاءاته إلى أنه يبلغ 5.3 ملايين نسمة نجد أن نسبة العوانس تمثل فقط 1.64% من مجموع السكان.
وتتابع: حين يقول العلم إن الانتشار الطبيعي لأي ظاهرة ضمن أي مجتمع تتراوح من 8 إلى 10%؛ فإن رؤيتنا لعدد العوانس ستختلف فلا نراها فئة مهددة أو مثقلة على المجتمع الأردني.
وتؤكد د. حنان أن كلامها هذا لا يعني أننا يجب أن ننتظر تفاقم الأمر كي يحظي بالاهتمام، ولكن يجب علينا أن نراعي من الناحية الاجتماعية أن أي مجتمع طبيعي سيشمل أطياف التنوعات البشرية، ومهما حرصنا فلن نستطيع أن نتخلص منها تمامًا.
وتشير إلى أن العنوسة مشكلة اجتماعية لا شك، ولكنها ليست مشكلة ضاغطة على المجتمع الأردني من حيث النسبة العامة ولا من حيث تعاملها المباشر كطبيبة نفسية مع الحالات.. فما زالت مشكلات المتزوجات سواء الزوجية أو الأسرية أعلى وأكثر تعقيدًا.
وتوضح أن العوانس كفِئة اجتماعية تحظى بصورة نمطية سلبية ليس لعيب فيها أو لخصائصها كفئة بقدر ما هو ميل مجتمعاتنا العربية نحو التصنيف والنيل من الآخرين، تمامًا كما يحدث مع بعض المهن التي تحظى في مجتمعاتنا بصور نمطية سلبية، وأيضًا بعض التخصصات الدراسية.
وترى أن الإشباع الكامل للفرد أو المجتمع صورة مثالية يصعب تحقيقها.. والتعامل مع أي قصور ينبغي أن يكون بالتركيز على باقي النواحي الإيجابية في الحياة الخاصة والعامة، مؤكدة أن المرأة في المجتمع الأردني ما زالت تتمتع بروعة حماية الأسرة الممتدة؛ وهو ما يقلل من شعور العانس بالوحدة أو التهميش.
وتختتم د. حنان طقش حديثها بالقول: إن المجتمع الأردني بما فيه من جو حريات عامة يوفر أمام العانس فرصًا كثيرة لممارسة حياتهن العامة بيسر.. فيتعلمن ويعمَلن.. ورغم أنها لم تتزوج فإنها تبقى رافدًا فعّالاً للحياة المهنية والاجتماعية.