بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربالعالمين ، والصلاة السلام على خاتم المرسلين وآله وصحبه ... وبعد :
شاع بين الناس عبارة ( لا حياء في الدين ) وهذه العبارة خاطئة لا يجوزإطلاقها ، لأنه قد ثبت أن الحياء من الدين ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنالله عز وجل حليم حيي ستير يحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر ) رواه أحمدوغيره .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الحياء لا يأتي إلا بخير ) أخرجه البخاري .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( الحياء من الدين ) وأيضا ً ( الحياء شعبة من الإيمان ) .
وقد عقد البخاري في صحيحه باب ، قال : باب الحياء من الإيمان .
والصحيح أن يقال : ( لا حياء في العلم) وهذا هو المعروف عند السلف رحمهم الله تعالى .
قالت عائشة رضي الله عنها : نعم النساء نساء الأنصار لم يمنهعن الحياء أن يتفقهن في الدين . أخرجه البخاري.
أيضا من الخطأ تقسيم الحياء إلى قسمين محمود ومذموم ، وهذا غير صحيح لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الحياءكله خير )( الحياء لايأتي إلا بخير ).فقد أخرج مسلم وإبو داود وغيرهما عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحياء خير كله أو قال الحياء كله خير" فقال بشير بن كعب : إنا نجد في بعض الكتب أن منه سكينة ووقارا، ومنه ضعفا . فأعادعمران الحديث وأعاد بشير الكلام، قال فغضب عمران حتى احمرت عيناه وقال : ألا أرانيأحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتحدثني عن كتبك. قال قلنا يا أبا نجيدإيه إيه.
وقد ورد هذاالإشكال في تحفة الأحوذي ج(6/126):
قال النووي في شرح مسلم حديث كون "الحياء كله خير" أو" لا يأتي إلا بخير" يشكل على بعض الناس من حيث أن صاحب الحياء قد يستحي أن يواجه بالحق من يجله ويعظمه فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، وقد يحملهالحياء على الاخلال ببعض الحقوق وغير ذلك مما هو معروف في العادة؟والجواب ما أجاب به عنه جماعة من الأئمةمنهم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح إن هذا المانع الذي ذكرناه ليس بحياء حقيقة ، بلهو عجز وخور، وإنما تسميته حياء من إطلاق بعض أهل العرف أطلقوه مجازالمشابهته الحياء الحقيقي، وإنما حقيقة الحياء : خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق ونحو هذا.
هناسأل سائل عن هذه المقولة فضيلة الشيخ عبدالرحمن البراك- وفقه الله فقال:شخص أراد أن يسأل طالب علم فقدم لسؤاله – كالمعتاد عند الناس بقوله: "لا حياء في الدين" فصاح به شخص آخر قائلا: أعوذ بالله،تب إلى الله، وأنكر عليه ذلك بشدة واختلفوا في هذه المسألة وتجادلوا.
السؤال: هل الإنكار على قائل هذه العبارة بهذا الأسلوب يعد في محله؟ أم إنه يحمل على الغالب من مراده ومراد من يتلفظون بهذه العبارة؟ حيث إنهم يريدون" لا حياء في السؤال عن الدين" ؟ وبمعنى آخر: هل يحرم التلفظ بهذه العبارة مطلقا؟ أم يجوز مطلقاً؟ أم يكره كراهة تنزيه؟ أم ينظر لقصد قائلها؟ وماذا يجب على طالب العلم إذا سمع أحداً يتلفظ بها؟ أرجو التفصيل الكافي الشافي، سدد الله خطاكم وهداكم للصواب من القول والعمل. فقال :
الحمد لله، هذا الإنكار ليس في محله، وهذه التقدمة تشعر بأن السؤال مما يستحيا منه، فهو كالاعتذار عن التقدم بهذا السؤال، وقدقدمت أم سليم بسؤالها عن حكم احتلام المرأة بقولها: إن الله لا يستحي من الحق، فلواستعيض عن قول القائل: لا حياء في الدين بما قدمت به أم سليم لكان أولى، ولعلالحامل لهذا المنكر هو أن قول القائل: لا حياء في الدين، لفظ مجمل يحتمل حقاًوباطلاً، ولكن المعلوم من قصد القائل أنه لا يشرع الحياء في معرفة الدين، ولا ينبغي أن يكون مانعاً من السؤال عما يحتاج إليه الإنسان في دينه إذ لا حرج عليه في ذلك،وأما الاحتمال الآخر فهو بعيد، وهو اتهامه أنه يقصد أن الحياء ليس من الدين، فهذاليس صحيحاً، بل الحياء شعبة من الإيمان، لكن الذي يقدم لسؤاله بقوله: لا حياء في الدين، لا يريد نفي كون الحياء من شعب الإيمان، بل يريد أن الحياء لا يمنع من السؤال عما يستحيا من ذكره إذا كان يتعلق بالدين، فإن المسلم مأمور بمعرفة دين هوالسؤال عنه، فيسأل عما يحتاج إليه إما بنفسه أو بغيره؛ إذا كان لا يتيسر له ذلكبسبب الحياء، كما فعل علي – رضي الله عنه – قال: كنت رجلاً مذاءً فكنت أستحي أنأسال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لمكان ابنته مني، فأمرت المقداد بن الأسودفسأله فقال: -عليه الصلاة والسلام-: "توضأ واغسل ذكرك"، رواه البخاري (269)، ومسلم (303)، وفي لفظ لمسلم: "توضأ وانضح فرجك" وقالت عائشة – رضي الله عنها –: "نِعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن تتفقهن في الدين" رواه مسلم (332) والخلاصة أنه لا وجه لما كان من الإنكار مع وضوح مقصود السائل، والله أعلم.