يقول الدكتور محمد العريفي
قبل عشر سنوات .. في أيام الربيع وفي ليلة باردة..
كنت في البر مع أصدقاء .. تعطلت إحدى السيارات .. فاضطررنا إلى المبيت في العراء ..
أذكر أنا أشعلنا نارا تحلقنا حولها .. وطال مجلسنا
فلاحظت أحد الإخوة انسل من بيننا .. كان رجلا صالحاً.. كانت له عبادات خفية ..
كنت أراه يتوجه إلى صلاة الجمعة مبكرا . بل أحيانا وباب الجامع لم يفتح بعد ..!!
قام وأخذ إناءً من ماء .. ظننت أنه ذهب ليقضي حاجته .. أبطأ علينا .. فقمت أترقبه ..
فرأيته بعيد عنا .. قد لف جسده برداء من شدة البرد
وهو ساجد على التراب .. في ظلمة الليل .. وحده ..
يتملق ربه ويتحبب إليه ..
كان واضحاً أنه يحب الله تعالى .. وأحسب أن الله يحبه أيضاُ ..
أيقنت أن لهذه العبادة الخفية .. عزاً في الدنيا قبل الآخرة ..
مضت السنوات .. وأعرفه اليوم .. قد وضع الله له القبول في الأرض ..
إذا مشى في السوق أو المسجد .. رأيت الصغار قبل الكبار يتسابقون إليه .. مصافحين .. ومحبين ..
نعم ! " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً "
أي يجعل الله لهم محبة في قلوب الخلق .. إذا أحبك الله جعل لك القبول في الأرض ..
قال صلى الله عليه وسلم : إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل .. فقال : إني قد أحببت فلاناً فأحبه ..
فيحبه جبريل ..
ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يحب فلاناً فأحبوه .. فيحبه أهل السماء ..
قال : ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض ..
وإذا أبغض الله عبداً .. نادى جبريل : إني أبغضت فلاناً فأبغضه ..
فيبغضه جبريل .
ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه .. فيبغضه أهل السماء ..
ثم تنزل له البغضاء في الأرض .. " رواه البخاري ومسلم "
آآآه ما أجمل أن تعيش على الأرض .. تأكل وتشرب وتنام ..والله ينادي باسمك ..
والعبادة الخفية أنواع .. منها:
الحفاظ على صلاة الليل ولو ركعة واحدة وتراً كل ليلة ..تصليها بعد العشاء مباشرة أو قبل أن تنام أو قبل الفجر ..
لتكتب عند الله من قوام الليل ..
قال صلى الله عليه وسلم : إن الله وتراً يحب الوتر .. فاوتروا يا أهل القرآن ..
وأيضا من العبادات ، السعي في الإصلاح بين الناس ..
وأيضاً الإكثار من ذكر الله .. فإن من أحب شيئاً أكثر من ذكره .. وفي الحديث ..
قال صلى الله عليه وسلم : ألا أنبئكم بخير أعمالكم.. وأزكاها عن مليككم .. وأرفعها في درجاتكم .. وخير لكم من إعطاء الذهب والورق . وخير لكم من أتلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا : بلى .. وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : ذكر الله عزوجل ... " رواه أحمد والترمذي "
ومن أفضل الذكر الاستغفار
فاستغفر ربك فمن لا يستغفر لا يرجو لله وقارا
ومنها صدقة السر .. فصدقة السر تطفئ غضب الرب ..
كان أبو بكر رضي الله عنه إذا صلى الفجر خرج إلى الصحراء ..
فاحتبس فيها شيئاً يسيراً .. ثم عاد إلى المدينة ..
فعجب عمر من خروجه .. فتتبعه يوماً خفية بعدما صلى الفجر ..
فإذا أبو بكر يخرج من المدينة ويأتي على خيمة قديمة في الصحراء ..
فاختبأ له عمر خلف صخرة .. فلبث أبو بكر في الخيمة شيئاً يسيراً .. ثم خرج .
فخرج عمر من وراء صخرته ودخل الخيمة .. فإذا فيها امرأة ضعيفة عمياء .. وعندها صبية صغار ..
فسألها عمر : من هذا الذي يأتيكم ..
فقالت : لا أعرفه .. هذا رجل من المسلمين .. يأتينا كل صباح منذ كذا وكذا ..
قال : فماذا يفعل ؟
قالت : يكنس بيتنا .. ويعجن عجيننا .. ويحلب داجننا .. ثم يخرج ..
فبكى عمر وهو يقول : لقد أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر .. لقد أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر ..
وكان علي ابن الحسين رضي الله عنهما يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل .. فيتصدق بها ..
ويقول : صدقة السر تطفئ غضب الرب ..
فلما مات وجدوا في ظهره آثار سواد ..
فقالوا : هذا ظهر حمَّال .. وما علمناه اشتغل حمالاً ..
وانقطع الطعام عن مائة بيت في المدينة ..من بيوت الأرامل والأيتام ..
كان يأتيهم طعامهم بالليل .. لا يدرون من يحضره إليهم ..
فعلموا أنه هو الذي كان يحمل الطعام إلى بيوتهم بالليل وينفق عليهم ..
نعم .. كانوا يستشعرون العبودية لله في جميع أحوالهم ..
فاطلب محبة الخالق .. وهو يتكفل بزرع محبتك في قلوب خلقه ..
ليس الغاية أن تكون ظواهر الآخرين تحبك وإنما الغاية أن تحبك بواطنهم أيضا
.
__,_._,___